فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {قل هو الله أحد}
عن أبي بن كعب «أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك، فأنزل الله: {قل هو الله أحد الله الصمد} والصّمد الذي لم يلد، ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث، {ولم يكن له كفوًا أحد}. قال لم يكن له شبيه، ولا عديل، وليس كمثله شيء» أخرجه التّرمذي وقال: وقد روي عن أبي العالية أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم، فقالوا انسب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه السّورة {قل هو الله أحد} وذكر نحوه، ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب، وهذا أصح وقال ابن عباس أن عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: إلام تدعونا يا محمد قال إلى الله قال صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة، أم من حديد، أم من خشب، فنزلت هذه السّورة، وأهلك الله أربد بالصاعقة وعامر بالطاعون، وقد تقدم ذكرهما في سورة الرّعد، وقيل جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك، فإن الله تعالى أنزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أي شيء هو، وهل يأكل ويشرب، وممن ورث الربوبية، ولمن يورثها، فأنزل الله هذه السّورة {قل هو الله أحد} يعني الذي سألتموني عنه هو الله الواحد في الألوهية، والرّبوبية الموصوف بصفات الكمال والعظمة المنفرد عن الشبه، والمثل والنظير، وقيل لا يوصف أحد بالأحدية غير الله تعالى فلا يقال رجل أحد، ودرهم أحد بل أحد صفة من صفات الله تعالى.
استأثر بها فلا يشركه فيها أحد، والفرق بين الواحد، والأحد أن الواحد يدخل في الأحد، ولا ينعكس، وقيل إن الواحد يستعمل في الإثبات والأحد في النفي تقول في الإثبات رأيت رجلًا واحدًا، وفي النفي ما رأيت أحدا، فتفيد العموم، وقيل الواحد هو المنفرد بالذات فلا يضاهيه أحد، والأحد هو المنفرد بالمعنى فلا يشاركه فيه أحد {الله الصمد} قال ابن عباس: الصمد الذي لا جوف له وبه قال جماعة من المفسرين، ووجه ذلك من حيث اللّغة أن الصّمد الشيء المصمد الصّلب الذي ليس فيه رطوبة، ولا رخاوة، ومنه يقال لسداد القارورة الصماد.
فإن فسر الصمد بهذا كان من صفات الأجسام، ويتعالى الله جلّ وعزّ عن صفات الجسمية، وقيل وجه هذا القول إن الصمد الذي ليس بأجوف، معناه هو الذي لا يأكل، ولا يشرب، وهو الغني عن كل شيء، فعلى هذا الاعتبار هو صفة كمال، والقصد بقوله الله الصّمد التّنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا له الإلهية، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام} [المائدة: 75] وقيل الصّمد الذي ليس بأجوف شيئان أحدهما دون الإنسان، وهو سائر الجمادات الصّلبة والثاني أشرف من الإنسان وأعلى منه وهو البارئ جل وعز وقال أبي بن كعب الصمد الذي لم يلد، ولم يولد لأن من يولد سيموت، ومن يموت يورث منه.
وروى البخاري في أفراده عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: الصّمد هو السّيد الذي انتهى سؤدده، وهي رواية عن ابن عباس، أيضًا قال هو السيد الذي كمل فيه جميع أوصاف السؤدد، وقيل هو السيد المقصود في جميع الحوائج المرغوب إليه في الرغائب المستعان به عند المصائب، وتفريج الكرب وقيل هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وتلك دالة على أنه المتناهي في السودد والشرف، والعلو والعظمة، والكمال والكرم والإحسان، وقيل الصمد الدائم الباقي بعد فناء خلقه، وقيل الصمد الذي ليس فوقه أحد، وهو قول على، وقيل هو الذي لا تعتريه الآفات ولا تغيره الأوقات وقيل هو الذي لا عيب فيه وقيل الصمد هو الأول الذي ليس له زوال والآخر الذي ليس لملكه انتقال. والأولى أن يحمل لفظ الصمد على كل ما قيل فيه لأنه محتمل له، فعلى هذا يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله تعالى العظيم القادر على كل شيء وأنه اسم خاص بالله تعالى انفرد به له الأسماء الحسنى والصّفات العليا.
{ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير}
[الشورى؟: 11]. قوله عز وجل: {لم يلد ولم يولد} وذلك أن مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الله، وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النّصارى المسيح ابن الله فكذبهم الله عز وجل، ونفى عن نفسه ما قالوا بقوله: {لم يلد} يعني كما ولد عيسى، وعزير، {ولم يولد} معناه أن من ولد كان له والد فنفى عنه إحاطة النسب من جميع الجهات، فهو الأول الذي لم يتقدمه، والد كان عنه وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه، ومن كان كذلك فهو الذي لم يكن له كفوًا أحد، أي ليس له من خلقه مثل، ولا نظير ولا شبيه فنفى عنه. بقوله: {ولم يكن له كفوًا أحد} العديل والنّظير، والصّاحبة والولد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إيّاي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون على من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد، ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد» والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

.قال النسفي:

سورة الإخلاص أربع آيات مكية عند الجمهور وقيل: مدنية عند أهل البصرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ هُوَ الله أحد}
هو ضمير الشأن و{الله أحد} هو الشأن كقولك: هو زيد منطلق كأنه قيل: الشأن هذا وهو أن الله وأحد لا ثاني له، ومحل {هُوَ} الرفع على الابتداء والخبر هو الجملة، ولا يحتاج إلى الراجح لأنه في حكم المفرد في قولك: زيد غلامك في أنه هو المبتدأ في المعنى، وذلك أن قوله: {الله أحد} هو الشأن الذي عبارة عنه وليس: كذلك زيد أبوه منطلق، فإن زيدًا أو الجملة يدلان على معنيين مختلفين فلابد مما يصل بينهما.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قالت قريش: يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه فنزلت.
يعني الذي سألتموني وصفه هو الله تعالى.
وعلى هذا {أحد} خبر مبتدأ محذوف أي هو أحد وهو بمعنى وأحد، وأصله وحد فقلبت الواو همزة لوقوعها طرفًا.
والدليل على أنه وأحد من جهة العقل أن الواحد إما أن يكون في تدبير العالم وتخليقه كافيًا أولًا، فإن كان كافيًا كان الآخر ضائعًا غير محتاج إليه وذلك نقص والناقص لا يكون إلهًا، وإن لم يكن كافيًا فهو ناقص.
ولأن العقل يقتضي احتياج المفعول إلى فاعل والفاعل الواحد كافٍ وما وراء الواحد فليس عدد أولي من عدد فيفضي ذلك إلى وجود أعداد لا نهاية لها وذا محال.
فالقول بوجود إلهين محال، ولأن أحدهما إما أن يقدر على أن يستر شيئًا من أفعاله عن الآخر أو لا يقدر، فإن قدر لزم كون المستور عنه جاهلًا، وإن لم يقدر لزم كونه عاجزًا.
ولأنا لو فرضنا معدومًا ممكن الوجود فإن لم يقدر وأحد منهما على إيجاده كان كل واحد منهما عاجزًا والعاجز لا يكون إلهًا، وإن قدر أحدهما دون الآخر فالآخر لا يكون إلهًا، وإن قدرًا جميعًا فإما أن يوجداه بالتعاون فيكون كل واحد منهما محتاجًا إلى إعانة الآخر فيكون كل واحد منهما عاجزًا، وإن قدر كل واحد منهما على إيجاده بالاستقلال فإذا أوجده أحدهما فإما أن يبقى الثاني قادرًا عليه وهو محال، لأن إيجاد الموجود محال، وإن لم يبق فحينئذ يكون الأول مزيلًا قدرة الثاني فيكون عاجزًا ومقهورًا تحت تصرفه فلا يكون إلهًا.
فإن قلت: الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد زالت قدرته فيلزمكم أن يكون هذا الواحد قد جعل نفسه عاجزًا.
قلنا: الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد نفذت قدرته، ومن نفذت قدرته لا يكون عاجزًا، وأما الشريك فما نفذت قدرته بل زالت قدرته بسبب قدرة الآخر فكان ذلك تعجيزًا.
{الله الصمد} هو فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج.
والمعنى هو الله الذي تعرفونه وتقرون بأنه خالق السماوات والأرض وخالقكم، وهو واحد لا شريك له، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق ولا يستغنون عنه وهو الغني عنهم {لَمْ يَلِدْ} لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا، وقد دل على هذا المعنى بقوله: {أنى يَكُونُ لَهُ ولد وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صاحبة} [الأنعام: 101] {وَلَمْ يُولد} لأن كل مولود محدث وجسم وهو قديم لا أول لوجوده إذ لو لم يكن قديمًا لكان حادثًا لعدم الواسطة بينهما، ولو كان حادثًا لافتقر إلى محدث، وكذا الثاني والثالث فيؤدي إلى التسلسل وهو باطل.
وليس بجسم لأنه اسم للمتركب ولا يخلو حينئذ من أن يتصف كل جزء منه بصفات الكمال فيكون كل جزء إلهًا فيفسد القول به كما فسد بإلهين، أو غير متصف بها بل بأضدادها من سمات الحدوث وهو محال {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد} ولم يكافئه أحد أي لم يماثله.
سألوه أن يصفه لهم فأوحى إليه ما يحتوي على صفاته تعالى، فقوله: {هُوَ الله} إشارة إلى أنه خالق الأشياء وفاطرها، وفي طي ذلك وصفه بأنه قادر عالم لأن الخلق يستدعي القدرة والعلم لكونه واقعًا على غاية إحكام واتساق وانتظام، وفي ذلك وصفه بأنه حي لأن المتصف بالقدرة والعلم لابد وأن يكون حيًا، وفي ذلك وصفه بأنه سميع بصير مريد متكلم إلى غير ذلك من صفات الكمال، إذ لو لم يكن موصوفًا بها لكان موصوفًا بأضدادها وهي نقائص وذا من أمارات الحدوث فيستحيل اتصاف القديم بها، وقوله: {أحد} وصف بالوحدانية ونفي الشريك، وبأنه المتفرد بإيجاد المعدومات والمتوحد بعلم الخفيات، وقوله: {الصمد} وصف بأنه ليس إلا محتاجًا إليه وإذا لم يكن إلا محتاجًا إليه فهو غني لا يحتاج إلى أحد ويحتاج إليه كل أحد، وقوله: {لَمْ يَلِدْ} نفي للشبه والمجانسة، وقوله: {وَلَمْ يُولد} نفي للحدوث ووصف بالقدم والأولية.
وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد} نفي أن يماثله شيء.
ومن زعم أن نفي الكفء وهو المثل في الماضي لا يدل على نفيه للحال والكفار يدعونه في الحال فقد تاه في غيه، لأنه إذا لم يكن فيما مضى لم يكن في الحال ضرورة إذ الحادث لا يكون كفؤًا للقديم، وحاصل كلام الكفرة يئول إلى الإشراك والتشبيه والتعطيل، والسورة تدفع الكل كما قررنا، واستحسن سيبويه تقديم الظرف إذا كان مستقرا أي خبرًا لأنه لما كان محتاجًا إليه قدم ليعلم من أول الأمر أنه خبر لا فضلة، وتأخيره إذا كان لغوًا أي فضلة لأن التأخير مستحق للفضلات.
وإنما قدم في الكلام الأفصح لأن الكلام سيق لنفي المكافأة عن ذات الباريء سبحانه، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف فكان الأهم تقديمه.
وكان أبو عمر ويستحب الوقف على أحد ولا يستحب الوصل قال عبد الوارث على هذا أدركنا القراء وإذا وصل نون وكسر أو حذف التنوين كقراءة عزير بن الله كفؤا بسكون الفاء والهمزة حمزة وخلف كفوا مثقله غير مهموزة حفص الباقون مثقلة مهموزة وفى الحديث من قرأ سورة الإخلاص فقد قرأ ثلث القرآن لأن القرآن يشتمل على توحيد الله وذكر صفاته وعلى الأوامر والنواهى وعلى القصص والمواعظ وهذه السورة قد تجردت للتوحيد والصفات فقد تضمنت ثلث القرآن وفيه دليل شرف علم التوحيد وكيف لا يكون كذلك والعلم يشرف بشرف المعلوم ويتضع بضعته ومعلوم هذا العلم في زمرة العالمين بك العاملين لك الراجين لثوابك الخائفين من عقابك المكرمين بلقائك وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال وجبت فقيل يا رسول الله ما وجبت قال وجبت له الجنة. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة الإخلاص:
واختلف في معنى قوله صلى الله عليه سلم: «{قُلْ هُوَ الله أحد} تعدل ثلث القرآن» فقيل: إن ذلك في الثواب، أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن، وقيل: إن ذلك فيما تضمنته من المعاني والعلوم؛ وذلك أن علوم القرآن ثلاثة: توحيد وأحكام وقصص، وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار، وهذا أظهر وعليه حمل ابن عطية الحديث. ويؤيده أن بعض روايات الحديث: «إن الله جزأ القرآن ثلاثةأجزاء، فجعل قل هو الله أحد جزءًا من أجزاء القرآن» وأخرج النسائي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يقرؤها فقال: أما هذا فقد غفر له» وفي رواية أنه قال: «وجبت له الجنة»، وأخرج مسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في الصلاة {قُلْ هُوَ الله أحد} فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه» وفي رواية خرّجها الترمذي «أنه صلى الله عليه وسلم قال للرجل: حبك إياها أدخلك الجنة» وحرّج الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ {قُلْ هُوَ الله أحد} مائة مرة كل يوم غفرت له ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين».
{قُلْ هُوَ الله أحد} الضمير هنا عند البصريين ضمير الأمر والشأن والذي يراد به التعظيم والتفخيم، وإعرابه مبتدأ وخبره الجملة التي بعده وهي المفسرة له، والله مبتدأ وأحد خبره.
وقيل: الله هو الخبر وأحد بدل منه وقيل: الله بدل وأحد هو الخبر. وأحد له معنيان أحدهما أن يكون من أسماء النفي التي لا تقع إلا في غير الواجب كقولك: ما جاءني أحد وليس هذا موضع هذا المعنى وإنما موضعه قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد} والآخر أن يكون بمعنى وأحد وأصله وأحد بواو ثم أبدل من الواو همزة وهذا هو المراد هنا.
واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى. الأول: أنه وأحد لا ثاني معه فهو نفي للعدد.
والثاني: أنه وأحد لا نظير ولا شريك له كما تقول: فلان وأحد عصره أي لا نظير له. والثالث: أنه وأحد لا ينقسم ولا يتبعض، والأظهر أن المراد في السورة نفي الشريك لقصد الرد على المشركين ومنه قوله تعالى: {وإلهكم إله وَأحد} [البقرة: 163] قال الزمخشري: أحد وصفُ بالوحدانية ونفي الشركاء.
قلت: وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته وذلك في القرآن كثيرًا جدًا أوضحها أربعة براهين: الأول قوله: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} [النحل: 17] لأنه أذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات لم يمكن أن يكون وأحد منها شريكًا له، والثاني قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] والثالث قوله: {قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقولونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلًا} [الإسراء: 42] والرابع قوله: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} [المؤمنون: 91] وقد فسرنا هذه الآيات في مواضعها وتكلمنا على حقيقة التوحيد في قوله: {وإلهكم إله وَأحد} [البقرة: 163].
{الله الصمد} في معنى الصمد ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الصمد الذي يُصمَد إليه في الأمور أي يلجأ إليه. والآخر: أنه لا يأكل ولا يشرب فهو كقوله: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} [الأنعام: 14] والثالث: أنه الذي لا جوف له، والأول هو المراد هنا على الأظهر، ورجحه ابن عطية بأن الله موجد الموجودات وبه قوامها، فهي مفتقرة إليه إي تصمد إليه إذ لا تقوم بأنفسها. ورجّحه شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير لورود معناه في القرآن حيثما ورد نفي الولد عن الله تعالى كقوله في مريم {وقالوا اتخذ الله ولدا} ثم أعقبه بقوله: {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْدًا} [مريم: 93] وقوله: {بَدِيعُ السماوات والأرض أنى يَكُونُ لَهُ ولد} [الأنعام: 101] وقوله: {وَقالواْ اتخذ الله ولدا سبحانه بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض} [البقرة: 116] وكذلك هنا ذكره مع قوله لم يلد فيكون برهانًا على نفي الولد، قال الزمخشري: صمد فَعَل بمعنى مفعول لأنه مصمود إليه في الحوائج.
{لَمْ يَلِدْ}. هذا ردّ على كل من جعل لله ولدا فمنهم النصارى في قولهم: {عيسى ابن الله} واليهود في قولهم: {عزيز ابن الله} والعرب في قولهم: (الملائكة بنات الله) وقد أقام الله البراهين في القرآن على نفي الولد، وأوضحها أربعة أقوال: الأول: أن الولد لابد أن يكون من جنس والده. والله تعالى ليس له جنس فلا يمكن أن يكون له ولد وإليه الإشارة بقوله تعالى: {مَّا المسيح ابن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام} [المائدة: 75] فوصفهما بصفة الحدوث لينفي عنهما صفة القدم فتبطل مقالة الكفار.
والثاني: أن الوالد إنما يتخذ ولدا للحاجة إليه، والله لا يفتقر إلى شيء فلا يتخذ ولدا وإلى هذا أشار بقوله: {قالواْ اتخذ الله ولدا سبحانه هُوَ الغني} [يونس: 68] الثالث: أن جميع الخلق عباد الله والعبودية تنافي النبوة وإلى هذا أشار بقوله تعالى: {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْدًا}
[مريم: 93] الرابع أنه لا يكون له ولد إلا لمن له زوجة، والله تعالى لم يتخذ زوجة فلا يكون له ولد وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {أنى يَكُونُ لَهُ ولد وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صاحبة} [الأنعام: 101].
{وَلَمْ يُولد} هذا رد عل الذين قالوا: أنسب لنا ربك، وذلك أن كل مولود محدث، والله تعالى هو الأول الذي لا افتتاح لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره، فلا يمكن أن يكون مولودًا تعالى عن ذلك.
{وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد} الكفؤ هو النظير والمماثل قال الزمخشري: يجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح، فيكون نفيًا للصاحبة. وهذا بعيد والأول هو الصحيح ومعناه أن الله ليس له نظير ولا شبيه ولا مثيل، ويجوز في كفوءًا ضم الفاء وإسكانها مع ضم الكاف. وقد قرئ بالوجهين ويجوز أيضًا كسر الكاف وإسكان الفاء، ويجوز كسر الكاف وفتح الفاء والمدّ ويجوز فيه الهمزة والتسهيل وانتصب كفوًا على أنه خبر كان، وأحد اسمها، قال ابن عطية: ويجوز أن يكون كفوًا حالها لكونه كان صفة للنكرة فقدم عليها.
فإن قيل: لم قدَّم المجرور وهو له على أسم كان وخبرها، وشأن الظرف إذا وقع غير خبر أن يؤخر؟
فالجواب: من وجهين:
أحدهما: أنه قدم للاعتناء به والتعظيم، لأنه ضمير الله تعالى وشأن العرب تقديم ما هو أهم وأولى. والآخر: أن هذا المجرور به يتم معنى الخبر وتكمل فائدته، فنه ليس المقصود نفي الكفؤ مطلقًا إنما المقصود نفي الكفؤ عن الله تعالى، فلذلك اعتنى بهذا المجرور الذي يحرز هذا المعنى، فقدم.
فإن قيل: إن قوله: {قُلْ هُوَ الله أحد} يقتضي نفي الولد والكفؤ فلم نص على ذلك بعده؟
فالجواب: أن هذا من التجريد، وهو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في عموم ما تقدم، كقوله تعالى: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98] ويفعل ذلك لوجهين يصح كل واحد منهما هنا؛ أحدهما: الإعتناء، ولا شك أن نفي الولد والكفؤ عن الله ينبغي الاعتناء به للرد على من قال خلاف ذلك من الكفار. والآخر: الإيضاح والبيان، فإن دخول الشيء في ضمن العموم ليس كالنص عليه فنص على هذا بيانًا، وإيضاحًا للمعنى ومبالغة في الرد على الكفار، وتأكيدًا لإقامة الحجة عليهم. اهـ.